الخميس، 7 يوليو 2016

مستقبل القوى الكبرى في المنطقة دراسة تحليلية حول التنبؤ بمستقبل الشرق الأوسط

مستقبل القوى الكبرى في المنطقة دراسة تحليلية حول التنبؤ بمستقبل الشرق الأوسط


الشرق الاوسط , تنبؤ , القوى الكبرى , الشرق الاوسط الجديد  , مستقبل


لقد ارتبطت سياسات القوى الكبرى ومستقبل وشكل النظام الدولي إلى حد كبير-ومازال- بالتطورات الإقليمية في الشرق الأوسط. وما يحدث الآن هو سلسلة من إحدى حلقات هذا الارتباط، فقد أضحى مصير الشرق الأوسط، والمتمثل في قضيتين رئيسيتين، وهما: القضية السورية، والحرب على الإرهاب المتمثل في داعش، محددين لمستقبل القوى الكبرى، ليس في المنطقة فقط، بل وبتحديد شكل النظام الدولي القادم، وفيما يلي عرض مبسط لمستقبل سياسات القوى الكبرى تجاه منطقة الشرق الأوسط كما يلي:

أولًا: الولايات المتحدة الأمريكية

وهي أكثر الدول انغماسًا وارتباطًا بالمنطقة. وتقوم السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة وفق مبدأ أنه ليس هناك من أصدقاء دائمين أو أعداء دائمين؛ وإنما هناك مصالح دائمة. ويمكن تمييز نوعين من المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة؛ فهناك مصالح إستراتيجية أساسية متمثلة في النفط العربي، وضمان تدفقه للغرب، ومنع أي قوى إقليمية أو دولية من السيطرة عليه، ويُطلق على هذا التفاهم الأمريكي الخليجي معادلة «النفط مقابل الأمن». أما النوع الثاني من المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة يتمثل في نشر الديمقراطية، والقضاء على الإرهاب، ومنع الانتشار النووي وتوفير الحماية لإسرائيل.
إلا أن هناك مستجدات طرأت على الأجندة الأمريكية بشأن هذه المصالح التي شكلت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة؛ فغيرت من أولوية المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وتتمثل فيما يلي:
  1. إخفاقات الماضي وتزايد عبء الأهداف القيمية

فقد وعيت الولايات المتحدة الدرس جيدًا من إخفاقاتها السابقة في المنطقة؛ فالتدخلات الأمريكية في المنطقة قد باءت كلها بالفشل، ولم تحقق أهدافها المرجوة؛ بل ازادت كراهية شعوب هذه المنطقة للولايات المتحدة، كما أزاد هذا التدخل الحروب الطائفية والمذهبية، ولم يحقق التحول الديمقراطي، كذلك زاد من تصميم القوة الاقليمية -إيران- لامتلاك سلاح نووي، وأخيرًا لم يقض على الإرهاب بل أزاده بشكل شرس، وهو ما نعيشه اليوم متمثلًا في داعش.
كذلك شكلت هذه التدخلات عبئًا نفسيًّا وماديًّا على الشعب الأمريكي؛ يجعل من أي إدارة قادمة أخرى أن تفكر ألف مرة قبل الشروع في اتخاذ مثل هذه السياسات في المنطقة مرة أخرى.
  1. فك معادلة الارتباط «النفط مقابل الأمن والاكتشافات النفطية الجديدة»

فهذه المعادلة التي تم التوافق عليها بين دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، ما زالت قائمة إلى الآن، إلا أن الولايات المتحدة قد بعثت برسائل قوية لدول الخليج  بضرورة الاعتماد على أنفسهم في تحقيق مصالحهم وأمنهم. كذلك ظهر اختلاف رؤى كبير بين دول الخليج والولايات المتحدة في قضايا المنطقة، لاسيما في الملف السوري، واختلاف رؤية الخليج والولايات المتحدة حول سبل حله.
كذلك عملت الولايات المتحدة على تقليل اعتمادها على نفط الخليج عن طريق تنويع مواردها النفطية، وتوجهها للنفط اللاتيني والأفريقي. أيضًا الاكتشافات النفطية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية والمعروفة بالنفط الصخري التي ستزيد من إنتاجيتها للنفط؛ وبالتالي ستقل الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة تدريجيًّا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
  1. التقارب الأمريكي الإيراني

اعتمدت إدارة أوباما على نهج زيادة العقوبات ل سيما الاقتصادية، ولكن بهدف جر إيران إلى التفاوض بشأن البرنامج النووي. وقد نجحت هذه السياسة وتكلل نجاحها في الاتفاق النووي الإيراني الغربي، والذي وافقت إيران بموجبه على الشروط الغربية المتمثلة في وقف التخصيب إلى ما يتجاوز 3.5%، مقابل رفع العقوبات بشكل تدريجي وعدم فرض أخرى.[1]
كذلك فإن هذا التقارب الأمريكي الإيراني سينعكس على عدة قضايا؛ فهناك ترحيب أمريكي بتدخل طهران وتعاونها العسكري مع حكومة بغداد ضد داعش، وبالتالي هناك توافق لأول مرة بين إيران والولايات المتحدة تجاه قضايا الإرهاب؛ ويقلل هذا التقارب من انغماس الولايات المتحدة في الميدان  ليقتصر على الدعم اللوجيستي والاستخباراتي والقصف الجوي في إطار التحالف، وبالتالي يحقق للولايات المتحدة أهدافها المتعلقة بالقضاء على الإرهاب في شكل أشبه بحرب الوكالة.
  1. التوجه نحو الشرق

ونقصد هنا الشرق الأقصى الآسيوي؛ فالسياسة الدولية حاليًا تتوجه نحو الشرق بعد أن تركزت في الغرب. والولايات المتحدة حالًيا يزداد اهتمامها بالشرق الأقصى متمثلًا في التنافس الصيني الأمريكي في المنطقة بعد موجة الصعود الصيني الكبير في العقدين الأخيرين؛ فأصبحت الصين والشرق الأقصى بؤرة تركيز السياسة الخارجية الأمريكية، ومركز ثقل السياسة الدولية بشكل عام.
ومما سبق بيانه؛ يتضح لنا أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة تنحسر؛ وبالتالي فإن الرؤية الأمريكية سواء لحل الأزمة السورية، أو لمحاربة داعش ستتمثل في التعاون مع القوى الإقليمية والدولية رغم اختلاف التوجهات والأهداف والمصالح والرؤى بينهم.

ثانيًا: روسيا

وتنطلق السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط متوافقة مع رؤيتها الإستراتيجية للنظام الدولي العالمي؛ حيث ترى روسيا أن فترة الأحادية القطبية التي سادت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي هي التي أدت إلى النظام الدولي بالفوضى وانتشار الإرهاب؛ وبالتالي فلا رجعة إلى الأحادية مرة أخرى؛ لذا تتمحور سياستها الخارجية على تحقيق نظام دولي قائم على التعددية القطبية، ما يحقق التوازن ومصالح أطرافه، وبالتالي استقرار النظام الدولي، وإنهاء حالة الفوضى به. وقد زاد دور روسيا في الثورة السورية نظرًا للأهمية الإستراتيجية لسوريا بالنسبة لروسيا، حيث قاعدة طرطوس البحرية الروسية في سوريا، والتعاون العسكري بينهما، وصفقات السلاح. وهذا يفسر الدعم الروسي الواضح للنظام السوري. كذلك يرجع هذا الدعم إلى عدة عوامل من بينها التفكير الروسي في ماذا بعد الأسد؛ فروسيا تدرك جيدًا أن رحيل الأسد ليس هو المشكلة، وإنما ماذا بعد رحيله؛ فحتى الآن تحافظ روسيا على القدر الأدنى من مصالحها في سوريا، ولكن بسقوط الأسد ليس هناك من ضامن إلى منع صعود الحركات المتشددة والإرهابية واستيلائها على سوريا، فتزيد من فوضى الشرق الأوسط.
كذلك فالتدخل العسكري الذي قامت به روسيا له عدة أهداف، منها تخفيف الضغط الدولي على النظام السوري، والضغط على القوة الدولية المناهضة للإبقاء على الأسد في معادلة تسوية الأزمة، كذلك لتظهر روسيا كقطب دولي مؤثر له مصالحه المباشرة في المنطقة، وبإمكانه التدخل بشتى الوسائل وأصعبها لتحقيق مآربه. أيضًا يرتبط ذلك برؤية روسيا بضرورة الحل السلمي للأزمة، والذي لن يتأتى إلا بإعادة التوازن بين الطرفين بعد أن فقد النظام ثلثي الإقليم السوري، وكذلك هو خطوة جادة وفقًا للهدف الروسي في القضاء على الإرهاب وداعش، وبمثابة استعراض قوة وإحراج للولايات المتحدة لإظهار عجزها عن  محاربة الإرهاب المتمثل في داعش، والحركات المتشددة بشكل جاد.

ثالثًا: الصين

أما عن الصين؛ فترتبط سياستها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط ببعدين: البعد الاقتصادي والذي ينقسم إلى شقين، وهما: تدفق النفط والمواد الخام من المنطقة إلى الصين، وما يمكن أن نسميه «أمن الطاقة الصيني»، وما تمثله المنطقة من سوق للمنتجات الصينية.
أما البعد السياسي، والذي ظلت فيه الصين تنأى بنفسها عن التدخل في قضايا المنطقة، تاركة الساحة للأطراف الدولية الأخرى؛ اضطرت إلى ترك المنطقة المنعزلة وانغمست في صراعات الشرق الأوسط وفق رؤية مشتركة بينها وبين روسيا، متمثلة في وحدة الهدف بينهما المتعلق بشكل النظام الدولي الجديد، وكذلك لتخفيف الضغوطات الأمريكية عليها في المنطقة الآسيوية بعد التحول الإستراتيجي المعلن للسياسة الخارجية الأمريكية.
لكن يمكن القول إن التدخل الصيني في الملف السوري الملف الأبرز في المنطقة، اتسم بالتدخل الحذر؛ فلم يزد على الدعم الدبلوماسي وفق التعاون الثنائي بينها وبين روسيا في مجلس الأمن، كذلك كان له أبعاد اقتصادية؛ حيث عقدت شركة هواوي الصينية، في اكتوبر 2015 مذكرة تفاهم مع الحكومة الصينية لدعم قطاع الاتصالات في سوريا.
لذا سيظل الموقف الصيني تجاه الشرق الأوسط يتسم بالاعتدال والحذر والحيطة والدرء بالنفس عن الانغماس، وتأكيد التعاون الدولي لحل أزمات الشرق الأوسط.

رابعًا: الاتحاد الأوروبي

ويشارك الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا الحرب على الإرهاب والملف السوري، وإن كان ذلك لا يمنع من ظهور نقاط خلاف بين أعضائه من جهة، كقضية بقاء الأسد في التسوية السلمية من عدمه، أو بين أعضائه والولايات المتحدة، المرتبطة بتسليح المعارضة المعتدلة، والخوف من سيطرة الجماعات المتشددة على الأسلحة المتطورة.
وبعد التطورات الراهنة في القضية المتمثلة في التدخل العسكري الروسي، وانفجار أزمة اللاجئين في أوروبا، بدا أن هناك قبولًا واسعًا بين دول الاتحاد الأوروبي على إشراك الأسد في التسوية السلمية، ما بدا في تصريح المستشارة الألمانية ميركل من ضرورة إشراك الأسد في المفاوضات الرامية لإنهاء الأزمة في سوريا؛ بل وإشراك إيران.

خامسًا: القوى الآسيوية «الهند»

تشارك الهند الصين في مصالحهما الإستراتيجية في المنطقة، والمتمثلة بالأساس في المصالح الاقتصادية، ويظهر التقارب في الرؤى بين الأقطاب الآسيوية الثلاث فيما يتعلق بالملف السوري؛ فقد دُعيت الهند من قِبل روسيا لحضور مؤتمر جنيف الثاني، ووقف الثلاثة أقطاب على نفس الرؤية من ضرورة الحل السلمي. لكن في نفس الوقت لم يزد هذا الدعم الهندي عن الدعم الدبلوماسي بأي شكل من الأشكال، والتأكيد أن الحل العسكري غير مطروح، ولا يمكن أن يحل الأزمة كما جاء على لسان وزير خارجية الهند سلمان خورشيد.

الخاتمة

استعرضنا في هذا المقال موقف القوى الكبرى من أهم القضايا في منطقة الشرق الأوسط، والتي قد تنبئ بمستقبل هذه القوى في المنطقة. ويمكن التنبؤ بأنه رغم التدخل العسكري الروسي الأخير في الأزمة، ورغم وعود أوباما بزيادة دعم المعارضة السورية، وإرسال فرقة دعم من وحدات القتال الخاصة تربو عن الخمسين مقاتلًا لتدريب صفوف المعارضة، إلا أن هذه الخطوات كلها ما هي إلا عوامل لإعادة التوازن في معادلة الصراع؛ فليس من حل لهذا الصراع إلا بتعاون القوى الدولية الكبرى وإعادة صياغة حل للأزمة السورية وفق حد أدنى من التوافق، سواء بإبقاء بشار في فترة انتقالية، أو إطاحته. لكن بداية حل الأزمة ستكون حول الموائد المستديرة وليس في ميدان المعركة.
أما ما يتعلق بداعش والحرب على الإرهاب، ووفقًا للتطورات الراهنة التي حدثت في باريس وأعلن داعش مسئوليته عنها، وحادثة الطائرة الروسية في سيناء، والتهديدات الداعشية بضرب الإقليم الروسي، كل هذه التطورات ستحتم التعاون وأهمية التوافق بين الدول الغربية وروسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا والسعودية في الحرب على داعش وفق تحالف دولي، وهذا بالأساس مرتبط بتوافق رؤيتهم لحل الأزمة السورية. فالسياسات الخارجية للدول الكبرى في المنطقة ستصل إلى نقطة حد أدنى من التعاون تكون انطلاقة لتسوية أزمات الشرق الأوسط، مع استبعاد الحل العسكري في سوريا، وإمكانية استخدامه بشكل تعاوني في الحرب على الإرهاب ضد داعش وفق تحالف دولي أكبر، أو عن طريق حرب الوكالات بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لأطراف منغمسة وتستطيع المشاركة عسكريًّا كإيران، وتركيا.
[1] للاطلاع على الاتفاق وبنوده أنظر هنا.

مقال ل محمود مصطفى
باحث سياسى 
موقع ساسه بوست