الأربعاء، 6 يوليو 2016

«شركة X».. كيان قد يُغيّر وجه العالم

«شركة X».. كيان قد يُغيّر وجه العالم



احدى مشكلات الكوكب الضخمة، التي لا يجد العالم لها حلًا، هي حوادث الطرق، رغم كل ما يمكننا رؤيته من سبل تتخذها حكومات العالم وشركات السيارات، كرفع جودة الطرق، والقوانين الرادعة، ورادارات مراقبة السرعة، والدوريات الشرطية المتحركة، ومعدلات الحماية المتزايدة في كل سيارة، برغم كل ذلك، تبدو المشكلة كمنجل ضخم، يحصد الأرواح بلا رحمة.
هناك أرقام مخيفة بما يكفي في هذا الشأن: تحصد حوادث الطرق سنويًا حياة ما يقارب 1.3 مليون إنسان، بينما يصاب فيها عدد بين 20 إلى 50 مليون آخرين، سواء إصابات قابلة للشفاء، أو إعاقات دائمة، تضعها منظمة الصحة العالمية «WHO» في المرتبة التاسعة، ضمن العشرة مراتب الأولى لمسببات الوفاة عالميًا، بنسبة 2.2% من وفيات العالم سنويًا، بينما تحتل المرتبة الأولى عالميًا، كسبب للوفاة، في شريحة عمرية ما بين 15 إلى 29 عامًا، وتكلف الجميع ما يزيد على نصف تريليون دولار سنويًا. باختصار، يبدو الأمر أشبه بكابوس لا فكاك منه.
سنعود إلى «كابوس الطرق» بعد لحظات، وسنذهب الآن إلى عام 2005، حيث يقف سيباستيان ثرون، مدير مختبرات جامعة ستانفورد للذكاء الصناعي AI، نيابة عن فريقه، ليتسلم جائزة مسابقة سنوية، تعد إحدى أكبر المسابقات العالمية، لتصميم وتطوير مركبات تتمتع بالقيادة الذاتية، مسابقة تقيمها وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة، المعروفة بـ «داربا»، أهم وكالة أبحاث في وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، والمسؤولة عن العديد من بصمات العالم التكنولوجية الرئيسية، يكفينا معرفة أن الإنترنت الذي نستخدمه الآن، أساسه داربا.
وقف سيباستيان متلقيًا تكريمه ومعه فريقه، وجائزة قدرها اثنين مليون دولار عن مركبتهم «ستانلي»، ليكون العام 2005 هو بداية مشروع أكبر في مكان آخر، مشروع ستتبناه إحدى أكبر شركات التكنولوجيا العالمية بنفس الطاقم. سيباستيان ثرون أحد مهندسي الشركة الرئيسيين، ومطور تطبيق «Street View» التابع لها ومعه فريق من 15 مهندسًا، جميعهم يعملون في نفس الشركة أيضًا، الشركة التي نعرفها بـ«جوجل».
Moonshots , سياره جوجل

مشروع عملاق، امتد منذ عام 2005 وحتى لحظتنا هذه، ومازال مستمرًا، يهدف إلى صناعة سيارة تقود نفسها، من الألف للياء، وتنقل جميع الأشخاص، سواء كانوا ممتلكين لرخصة قيادة أم لا، أطفالًا أو كبارًا في السن، من نقطة لأخرى، مشروع تسعى جوجل من خلاله إلى خلق حل راديكالي لحوادث الطرق، وللاستغناء عن قيادة الإنسان، بشكل شبه كامل، وتحويله لمسافر فقط لا أكثر، بلا أي مهام من أي نوع.
هذا المشروع ضمن مشاريع عملاقة أخرى يطلق عليها جميعًا اسم «Moonshots»، نسبة إلى المصطلح الذي أطلقه جون كينيدي، الرئيس 35 للولايات المتحدة الأمريكية، عندما أخبر الشعب الأمريكي في خطاب له عام 1962 بحلمه في إرسال أول إنسان للقمر ورغبته في حدوث ذلك في نهاية العقد، وهو ما حدث بالفعل. في هذه المشاريع تقوم جوجل بانتقاء مشكلة أو أكثر من مشكلات العالم شديدة الضخامة، والتي تتطلب في المعتاد حلًا عبقريًا شديد الصعوبة ثم تبدأ في العمل عليها في منشأة فريدة من نوعها تدعى «شركة X».

سري وغامض

الزراعة الأُسية، وسفن طائرة لنقل البضائع، وتوصيل الإنترنت عن طريق بالونات طائرة، وتوليد طاقة رياح من طائرات صغيرة، وسيارات تقود نفسها، ومعالجة الأمراض، وإطالة العمر، وتطوير الذكاء الصناعي، تقريبًا أغلب مشاكل العالم المزمنة، تأخذها «X» ثم تعمل عليها بصمت لحلها، عن طريق اختراع طفرة تكنولوجية لا مثيل لها تحل المشكلة من جذورها، ثم تقرر«X» قتل المشروع أو الاستمرار فيه، وللترتيب هنا أهمية قصوى، فالقتل و«إفشال المشاريع» يسبق دائمًا إنجاحها في الشركة!
في عام 2009 ظهرت الفكرة لدى جوجل، لماذا لا نجمع بعضًا من أفضل متخصصي العالم، في كل المجالات، ثم نعطيهم ميزانية ضخمة، كقسم من الشركة الأم، لتطوير طفرات تكنولوجية، تتقدم على التكنولوجيا السائدة، بجيل أو اثنين؟ وهو ما حدث بالفعل في العام التالي مباشرة، يناير (كانون الأول) لعام 2010 حيث أوجد سيباستيان ثرون، عملاق الـ AI، ومعه يوكي ماتسوكا، اليابانية المعروفة وإحدى أشهر علماء هندسة الآلات وعلوم الحاسوب في العالم، كيانًا أطلقا عليه «جوجل X»، مختبرات على بعد نصف ميل فقط من مقر جوجل الرئيسي، جوجل بليكس، في ماونتن فيو، بولاية كاليفورنيا.
خضع العمل في مختبرات جوجل X – ما سنعرفها فيما بعد بـ«X» فقط – للسرية المطلقة، جزء لا يعلم تفاصيل مشاريعه وما يطوره طاقمه إلا قلة من مديري جوجل، الأهم أن المختبرات كانت أشبه بسيرك كبير يجمع أفضل العقول في مختلف المجالات، أو كما يصف أسترو تيلر عالم الحاسوب والـAI الشهير ومدير العمل اليومي الحالي بالمختبرات ومدير مشاريع «moonshots» فإن «الكل يعمل بجانب الكل في المختبرات»، فنجد مهندسي طيران يعملون بجانب مصممي أزياء، وعسكريين سابقين يعملون جنبًا إلى جنب مع متخصصي أشعة الليزر، فوضى خلاقة ينتج عنها تكنولوجيا تساهم في تحسين العالم، ودفعه للأمام.
يشرح أسترو طريقة عمل المختبرات أو «مصنع طلقات القمر» كما يُطلق عليه، فالخطوة الأولى دائمًا هي إيجاد مشكلة بالغة الصعوبة يعاني منها الملايين في أنحاء العالم، ثم الخطوة الثانية وهي إيجاد حل جذري وراديكالي لهذه المشكلة مهما كان هذا الحل عصيًا على التصديق أو يمكن تصنيفه بـ«الجنون»، ثم الخطوة الثالثة والأخيرة: إيمان جميع طواقم العمل بإمكانية تطوير تكنولوجيا مدهشة، تصلح لتنفيذ هذه الحلول والعمل على بنائها.

اقتل مشروعك أولًا

عرف العالم منذ بدايات القرن العشرين مبدأ الزراعة الأسية أو الرأسية، فكرة تقوم على استبدال الحقول الشاسعة ذات المساحات الأفقية بطبيعة الحال بحقول رأسية، كالمباني التي نقطنها نحن في قلب المدن، من باب توفير المساحات وأيضًا لزيادة أحجام المحاصيل المنتجة، بشكل يساهم تمامًا في القضاء على إحدى أكبر مشاكل العالم: نقص الغذاء.
عندما أتى بروفيسور علوم البيئة والصحة، ديكسون ديسبوميير في عام 1999 وقام بتحديث الفكرة في هذا الوقت وعلى مدار العقد التالي أيضًا، كان الأمر مبشرًا ومشجعًا على التنفيذ، خاصة مع توافر التكنولوجيا لتنفيذ أغلب أفكار الزراعة الأسية المتطلبة لتكنولوجيا لم تكن متوفرة قبلًا، فقد وضع ديكسون نمط «مزارع ناطحات السحاب» حيث يتم إنشاء ناطحة سحاب، وتقسيمها بدقة، فأدوار سفلى للمحاصيل قليلة الري، وأدوار عليا للمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، وأدوار أخرى لتربية الحيوانات والطيور، وكل ذلك حسب «Zero Waste» أو صفر نفايات.
تتمثل عبقرية مبدأ «صفر نفايات» في عدم السماح بإهدار أي موارد، حيث يتم استخدام فائض المياه من ري المحاصيل كثيفة الاستهلاك في الطوابق العليا لري المحاصيل الأخرى في الطوابق السفلى، فيتساقط عليها هذا الفائض متمًا لعملية الري، بينما يتم تجميع النفايات سواء تلك المتبقية من إطعام الحيوانات والطيور أو نفاياتهم العضوية لإنتاج كرات حيوية مضغوطة تستخدم لتوليد الطاقة، فضلًا عن اختصار زمن نقل الغذاء، فعندما تصبح المزارع رأسية في منتصف المدينة إذًا ستكون الملجأ الأول لأهلها.
دخلت «شركة X» بثقلها في هذا الأمر، اعتمادًا على أن واحدًا من كل تسعة أشخاص يعاني من الجوع، أي 9/1 من سكان العالم تقريبًا، ولذلك قامت جوجل بإنشاء مزرعة رأسية آلية، وحققوا تقدمًا كبيرًا في عدة نواحٍ، كالحصاد الآلي والإضاءة الذكية الموفرة مما يسمح بنمو المحاصيل بشكل أسرع، إلا أنهم لم ينجحوا في إنتاج المحاصيل الأساسية، كالحبوب والأرز، لذلك قاموا بقتل المشروع حتى حين.
أوضح أسترو، قبلًا، خاصية «قتل المشاريع»، قائلًا إنها «سر نجاح X الأول»، فطواقم العمل في المختبرات يقومون كل يوم بفحص المشروعات بكافة الطرق الممكنة بحثًا عن طرق عديدة لإيجاد نقاط الضعف فيها وإفشالها، ثم يقومون بقتل المشروع وبدءه من جديد إذا أمكن ذلك.

أفكار لا تنتهي

سنجد جوجل «X» في كل فكرة تقريبًا من الممكن أن تخطر ببالنا، كنظارتها ذات الشهرة العالمية والتي مثلت طفرة في عام 2013، فقد تمتعت بوجود كاميرا، وذاكرة حاسوبية محدودة، وقدرة على التحكم في الهواتف الذكية، والتقاط صور وتسجيل فيديوهات بأوامر صوتية من المستخدم، قبل أن تخرجها جوجل من تحت عباءة «X»، لتصبح مشروعًا مستقلًا.
أيضًا نظرت «شركة X» إلى نظام توصيل الطرود في جميع أنحاء العالم، ثم خرجت بفكرة مشابهة لفكرة أمازون في نفس التوقيت تقريبًا، وهي «مشروع الجناح» حيث تستخدم فيها الشركة أسطولًا كاملًا من الطائرات بدون طيار «Drones»، لإيصال الطرود بشكل أسرع وأكثر كفاءة بعشرات المرات، إلا أن المشروع مازال قيد البحث والتطوير لدواعي السلامة والأمان.
إحدى المشاريع الملهمة التي قتلتها «X» مشروع لنقل البضائع. في البداية حددوا المشكلة، وكانت في نظام نقل البضائع العالمي، حيث ينفق العالم عشرات المليارات سنويًا على نقل البضائع مسببًا خسائر مادية وبيئية بالغة الضخامة، ويأتي الآن دور الحل الراديكالي، متمثلًا في سفن طائرة أخف من الهواء وشديدة السرعة لنقل جميع أنواع البضائع، كان حلًا عبقريًا، وامتلكت «X» العقول اللازمة والتكنولوجيا أيضًا لتنفيذه، إلا أنهم قاموا بحساب تكلفة أول نموذج من نماذج السفن الطائرة، ووجدوا أنه سيتكلف لمجرد صنعه وتجربته 200 مليون دولار وهو رقم ضخم بالنسبة لتجربة فقط، فقاموا بقتل المشروع حتى يجدوا حلًا لخفض التكلفة أكثر.
أفكار «X» لا تنتهي، داء السكري مشكلة عالمية أخرى، وتقتل سنويًا 1.5 مليون إنسان تقريبًا، معدل يفوق قتلى حوادث الطرق، ولأن اكتشاف السكري طريق طويل ويتطلب تحليلًا للدم فقد خرجت «X» بحل سحري آخر، عدسات لاصقة خفيفة تقوم بقياس نسبة السكر في الدموع، بالتالي تتنبأ بوجود السكري من عدمه، أو تتابع نسبته بدقة، وبشكل دوري، في حالات وجود المرض.

العبقرية

تأتي النهاية من نصيب مشروعين من أكثر مشاريع «X» تحديًا لفرق العمل هناك، على أي مستوى، ببساطة، وبحسب أسترو، لأنهم لم يجدوا طريقة لقتلهما حتى الآن.
المشروع الأول هو طاقة الرياح، عندما ننظر إلى التوربينات المتواجدة الآن ومدى ضخامتها وأوزانها التي تصل لآلاف الأطنان مثل توربين Enercon E-126 الأضخم عالميًا، والذي يصل وزنه إلى 6000 طن، عندما ننظر إلى هذه التوربينات فإن «X» بالتأكيد لن تبني توربينات أفضل من خبراء ومهندسي الصناعة كما قال أسترو بنفسه، إلا أنهم أخذوا تطوير «توليد الطاقة» لبعد مبتكر.
بدلًا من الالتزام بمعايير التوربينات وأطنان من المعادن والأثقال، ستحلق الشركة لأعلى أكثر حيث رياح أقوى وارتفاعات شاهقة لا تصلها أي توربينات في العالم، بواسطة طائرات صغيرة، هذه الطائرات مزودة بحبال شديدة الطول متصلة بمحطات لاستقبال الطاقة، لتتحول هذه الطائرات لتوربينات طائرة، تحصل على طاقة رياح أفضل، تنقلها لأسفل، وبشكل أسرع وأيسر. أما المشكلة الثانية والأهم، فهي إيصال الإنترنت لكل مكان عالميًا.

تعرف شركات التكنولوجيا العالمية حقيقة بالغة البساطة: هناك أكثر من أربعة مليارات إنسان حول العالم لا يتمتعون بأي اتصال إنترنتي، ليس اتصالًا ضعيفًا مثلًا وإنما بلا أي إنترنت، أي تقريبًا 60% من سكان العالم.
لحل هذه المشكلة علينا أن ننتظر عشرات الأعوام لتوفير بنى تحتية في مختلف أنحاء الأرض، ثم لإيصال الإنترنت لكل مكان، أو نلجأ لـ «X»، فتعطينا حلًا سحريًا كالعادة.
يعرف العالم الآن «Project Loon»، أو مشروع «لوون» لتوصيل الإنترنت، مشروع يعتمد على إطلاق بالونات طائرة مختلفة الأحجام لإيصال الإنترنت لكل مكان في العالم، سواء كان مأهولًا أو غابات مطيرة أو صحارٍ واسعة غير صالحة للسكنى أو في قلب المحيطات الشاسعة، أي مكان بالمعنى الحرفي للكلمة.
تمثل «شركة X» كيانًا غير مسبوق، إلا على المستويات العسكرية في دول بعينها، مثل أقسام تطوير التكنولوجيا في البنتاجون، أو وزارة الدفاع الصينية، كيانًا يركز على مشكلات العالم الضخمة التي تحتاج لمعجزات لحلها، ثم تنتج حلولًا عبقرية، قد لا تخطر ببال أحد، وتكنولوجيا تمتد إلى مناحٍ عديدة أخرى.
, ,